قصة بعنوان ( رحلة اكتشاف الذات ) - لغتي حياة

أهم الموضوعات

لغتي حياة

ما في لغات الكون لغة كالتي سمت أحرفها بكلام الله


Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

قصة بعنوان ( رحلة اكتشاف الذات )

 بقلم الطالبة : شفاء محمد ناصر



    في الثاني عشر من آذآر في سنة 1882 ولد ايثان في أندورا تحديدا بين قمم البرانس الشهيرة التي توجد في فرنسا و ترعرع بين ستة إخوة و هو أوسطهم. كان هذا الصبي منذ نشأته و هو يتمتع بفكر واسع و عقل مزهر مما جعلة دائما يتفكر و يتأمل بما حوله, و كان يهوى القراءة لطالما كان مهموكا بها فهو من أولئك الذين تدفعهم الحياة نحو رغبات جديدة فلا يطيق الأمور العادية فلطالما كان يسعى دوما نحو الاكتشاف و السعي قدمًا. في ليلة ممطرة و مظلمة تباينت بها أصوات الرعد و نغمات الكمان، و بين تلك الجبال الراسية استحالت ايثان مشاعر غريبة فكانت كاليأس و الضجر مشوبةً ببعضٍ من الرغبة الشديدة في الغدو و كأنها حرب داخلية و صراع فجزء منه فارغ , و الجزء الآخر يشع تفاؤلًا و حماسًا للسفر و اكتشاف ذاته و عالمه فبعد هذا الصراع الذي طال في قلبه، و اشتد في تلك الليلة قرر و أخيًرا السفر من بحت رغبته لبقعة بعيدة من بقاع الأرض و كانت الوجهة إلى بلاد التاريخ و الأساطير إلى بلاد الحضارات التي كانت و ما زالت تلك الأرض التي تشغلها الحيوية و الناس الفريدين من نوعهم إنها( مصر العظيمة). بالطبع ستكون رحلة شاقة و مكلفة عليه و لكن ما إن فكر بذلك الأمر حتى تذكر ما قال له جده : "نحن البشر يا بني ننقسم لفريقين فريق يضع أهداف و يصوبها فعلا و فريق آخر يجعل من أهدافه اضحوكة للحياة " فلم تكن توجد وسيلة غير أنه يجب عليه شراء عربة و أحصنة ليشق طريقه من فرنسا إلى إسبانيا و التي هي على مقربة من منطقته أندورا الفرنسية فهي تبعد حوالي عدة امتار فقط و بعد ذلك مرورا بمضيق جبل طارق عبر السفينة حتى يبلغ إفريقيا. بيد أن ايثان سيعيش بمواقف عدة في هذه الرحلة و قريبا ستشربه الحياة عصير المرارة التي عصرته لنا جميعا و لكن حين يأتي الوقت المناسب , لنرى .

   خطط ايثان للرحلة و خلق العديد و العديد من الأحداث و المحاورات في ذهنه عما سيتلقاه . حان الوقت و جاءت تلك اللحظة التي سيترك بها وطنه و أهله الذين هلَت دموعهم لتكون في داخله بحر دموع جعل منه متحيرا بين اكمال السباحة و النجاة من اليأس المميت أم الغرق فيه إنه امر و شعور تآلف عليه جميع البشر و لكنه قصير و سيمر مهما لزم الأمر.  حزم أمتعته من عدة و زاد و ما إلى ذلك و من ثم ودع أهله و أحبابه , فصهلت الأحصنة و بدأت المغامرة .

في غضون أربعة أيام وصل ايثان إلى المغرب و عند لحظة وصوله أخذ نفسا عميقًا من نسائم المغرب و بدأ في السير , حتى دخل في صميم المدينة تحديدا "مكناس" حيث يصدر منها الضجيج و الحركة و الأسواق و تنافس التجار و السلع المتنوعة و تزاحم الناس بين الممرات ظل يمشي و هو فقط على اطلاع مسبق في الكتب عن المغرب و لكنه الان عن كثب فيجب عليه أن يتدبر الأمر الواقع . دخل أحد المتاجر حتى يشتري بعضا من الملابس  تقمصا في المغاربة فارتدى الجلابة و كانت بيضاء و قطنية فشعر بأريحية أكثر من البنطال و راح شاكرا لحسن تعامل البائع المغربي معه.

بدأت معدته تصدر أصواتا فرأى ازدحام عند مطعم يقوم بإعداد اطباق عديدة  فقرر الدخول و سأل العامل هناك بالفرنسية لأنه حتمًا لا يجيد التحدث بالعربية حتى الآن  

_Quels aliments avez-vous ?ما الأطعمة التي توجد لديكم ؟

_ ماذا تقول ؟

فترجم أحد الجالسين للعامل و طلب ايثان طبق الكسكس الشهير.

و في خروجه من المطعم نادى به ذلك الرجل الذي ترجم له :

_يا صاحبي تعال الى هنا

_اوه نعم

و كان شعور في داخله بسعادة لوجوده لأحد يتفهمه.

_ما اسمك ؟

_ايثان , و انت ؟

_ نوردين

_اسم فريد من نوعه

 

_ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

_ضجرت من حياتي المعتادة و أريد اكتشاف نفسي و اكتشاف ما حولي و قريبا سأبلغ مصر

_رائع, آمل ان تحقق مبتغاك

_عرفني بنفسك يا نوردين , هل أنت فرنسي و أتيت للمكوث هنا ؟

_ لا لا , في الحقيقة انا ولدت من قبل اب فرنسي-مغربي و من أم مغربية الأصل و تربيت هنا .

_سررت بلقائك اذا

_و انا أيضا

من ثم قررا الذهاب الى المقهى و جلسا و طلبا القهوة و كان يبدو فيه الرجال يدخنون النارجيلة و ظلا يتبادلان أطراف الحديث حتى الليل و من ثم دعا نوردين ايثان للسبات في منزله هذه الليله لان الوقت كان متأخر .

و في صباح اليوم التالي استيقظا في الصباح الباكر فأدى نوردين صلاة الفجر و رتل بعضا من سور القرآن الكريم و كان صوته شجي ممَا لامس روح ايثان بالرغم من انه لم يفهم شيئا لأنها ليست لغته العربية فظل ايثان يتأمله في صمت عميق. و عند انتهائه قال له نوردين

_ألن تقم لتصلي ؟

_عذرا إنني لست مسلما

أمطيا مطيتهما للذهاب الى المدينة للعمل .شمرا ساعديهما و بدأ كل منهما في العمل و الرفع و الحط للحجارة فكان هذا هو عمل نوردين البناء و هذا يتطلب قوة و جهد و بنية كبنية نوردين فكان مكتنز العضل اما ايثان فلم يكن جدا لأنه لم يعتاد على ذلك فانتابه التعب و لكنه سيواكب الامر مع مرور الأيام.

حل وقت العصر و بدت السماء جميلة بلونها البرتقالي الذي يجلب لك النعاس فجلسا على الصخرة يرتاحان قليلا و شربا الماء من الجرة المحاذيه منهما , و في منتصف هذا السكون أخرج نوردين من حقيبته كتاب

_ايثان لا بد أنك ستحتاجه

_ما هذا الكتاب؟

_ إنه كتاب يرجع الى أبي , حين كان يافعا كان متشوقا لتعلم اللغة العربية و بالفعل تعلمها و بطلاقة و لأنه الآن لم يعد بحاجة إليه أخبرني بأن أعطيك إياه.

_شكرا جزيلا لك إنه فعلا كتاب قيِم , هذا ما كنت أحتاجه حقًا.

و بدأ نوردين يعلمه نطق الحروف العربية و بالتأكيد واجه صعوبه في نطقها . و أخذ يردد ورائه حرفاً حرفًا .

مرت ألايام و الشهورو بعد مكوث طال سنتتين كاملتين , و الذي فيهما تعرف على صديقه نوردين الذي لطالما خرَجه في علوم اللغة حتى أجاد بها من كل النواحي قراءة و كتابة و فهما و لا سيما علوم الفلسفة التي كانت محط اهتمام ايثان، و اعتاد على اهل القرية و كل من فيها و كأنه في هذه السنتان ولد من جديد .

و لكن كل هذا لم يعد كل شيء بالنسبة إليه لم يشعر حتى الآن بذلك السلام الداخلي حتى الآن يريد بلوغ مصر و لكن المغرب سحرته بأجوائها الجميلة و من ناحية أخرى اشتاق لأبويه و إخوته فماذا يصنع . ظل في حيرة من أمره و شكا ذلك لصديقه نوردين فقال له ناصحا: إذا سلكت طريقا فأكملها , و لم يطل كثيرا معه في الحديث .

بعد شهر من التفكير العميق و بعدما اتخذ ايثان في قرارة نفسه أنه سيبلغ مصر مهما حدث , استعد في صباح اليوم التالي و حزم امتعته و كتبه و ربطها في المطيَة و قبل رحيله ودع أهل القرية و صديقه و أعطاه وصية في حال لم يعد بعد أربعة سنوات و احتضنه و عينا صديقه كانت ممتلئة بالدموع لرحيله و انطلق ايثان يجوب في الصحراء الشاسعة .

إنها رحلة جدا طويلة فاعتقل لما لا يقل عن ثلاثة أسابيع من قبل قبيلة من الغجر , و شهد حروبًا شهدت كانت بين القبائل ,وواجه العديد من تقلبات الطقوس المعذبة تارةً برد قارس يدخل في جوف عظامه , و تارة حر شديد تجعله يصب عرقا و في ظمأ دائم .و لكنه صبر و تحمل كل ما واجهه إلى أن وجد نفسه فعلا في مصر. فارتابه شعور جميل و كان في سعادة غامرة لما قام به و حققه.

مرورًا من الإسكندرية و الجيزة و القاهرة وصولا للإسماعيلية . فلحسن حظه أنه مكث في المغرب و تعلم العربية و كأنها كونت له حاجز أمان تحسبا من ظن الناس بأنه من طلائع الاستعمار الغربي أو ما شابه . فمصر و كعادتها الضجيج لا يخلوا من شوارعها و المطيَة في كل مكان من جمال و أحصنة و الحفلات من هنا و الأطفال يلعبون من هناك و الرجال يروحون و يجيئون و هم مرتديين تلك الكوفيات و العقال .

و عند وصوله إلى هناك التقى بصاحب صاحبه المغربي نوردين الذي أخبره عنه نوردين قبل ذهابه لمصر و كان اسمه حسام . كان يتشابه بصفات نوردين في الاخلاق و الكرم فلم يشعر كثيرا بالغربة معه. عرفه على كل تفاصيل المدينة و عرفه على بعضٍ من أصحابه و أخويه الأثنين ، و من ثم دعاه لوجبة الغداء مع أهله و من ثم أخذ يعرف عن نفسه و أخبرهم برحلته و قصته و إنه فرنسي الأصل و مكث في المغرب فقاطعه حسام في منتصف حديثة وقال:

_و لماذا كنت مصرًا على السفر

_رحله ابحث عنها عن السلام الداخلي ، و أيضا لاكتشاف العالم  

_و لماذا تحديدًا مصر ؟

_قرأت الكثير عنها في الكتب و المجلات و كنت طموحًا لبلوغها ، و ها أنا ذا .

من ثم حلت صلاة الظهر فراح حسام و أهله ليصلون في المسجد و لحظة سماعه للأذان من كل المساجد لحظة واحدة شعر و كأنه بلا روح وبلا جسد فقط بأذن يستمع إليها  ، نسي كل شيء في عالمه . كان متأثرًا جدًا بصوت الأذان و سار إلى المسجد ثم جلس يستمع و يتأمل بالعصافير التي تحلق حول المأذنة إلى أن انتهت الصلاة .

حلَ الليل و أوى إلى فراشه و لكن دون أن تغمض له عين فامتد عليه الليل بطوله و هو يفكر فخطر له خاطر غريب نهض من فراشه و راح للمسجد و أخذ القرآن و ظلَ يقرأه حتى طلوع الفجر و بعد قرائته وجد في القرآن كلمات الإعجاز فلم يستطع أو يتجرأ على اكتشاف أي شيء خاطئ منه فوجد به كل ما هو يحتاجه و أدرك أنه هو الدين الحق الدين الذي لطالما لامس قلبه فوجد به شيئًا جوهريًا لا مثيل له.

في صباح اليوم التالي اتجه نحو حسام و أخبره بكل شيء حدث له في الليلة الماضية و أنه تأثر جدًا بالدين الإسلامي و قد تعلم أمور بسيطة من نوردين أيضًا عند مشاهدته فاجتمع بعض من رجال الدين و معه حسام و نطق أخيرًا ايثان لنطق الشهادتين و كانت من أجمل لحظات حياته فتغلغل الإيمان ووصل إلى سويداء قلبه فهذا هو إكسير الإيمان الذي ينقل الأشخاص من حال إلى حال . و من ثم عند انتهائه ، تعلم الصلاة و كانت أول صلاة صلاها هي العصر و حين سجوده أحس بدفء عم في قلبه و أنه تقرب من ربه إحساس تعجز اللسان عن وصفه. فكانت تلك الأيام عامرة لديه بالسعادة و الصفاء الروحي و كأنه وجد إكسير الحياة بالرغم من أن الإسلام لا يقارن به حتى.

و المفاجئة الرائعة أن ايثان آسفة أعني عبدالرحيم قد افتتح  جمعية إسلامية تتضمن العديد من الرجال الصالحين الذين شاركوه في هذا النوع من الأمر العظيم عند الله و أُطلق عليها  اسم "جمعية الرسالة الإسلامية" كانت أيضا لهداية الغير المسلمين و من هو مطلع على ذلك .و أُزيدَكم من الشعر بيتًا فلم تكن في مصر فقط بل حتى في فرنسا أقام بافتتاحها سنة1925 و قد دخل كمُ هائل من الفرنسيين و المصريين الغير-المسلمين إلى الإسلام . و أصبح أحد اهم الداعية في الإسلام فقد قام بالعديد من الخطابات و الحملات حول ذلك . لا أنت ولا هو كان يعتقد أنه سيصل يومًا إلى هذا المستوى . فهكذا كانت رحلة اكتشاف ذاته المذهلة.

هناك 3 تعليقات:

Post Top Ad